فصل: تفسير الآية رقم (64):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (61):

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)}
{وَإِذْ قُلْنَا للملائكة} تذكير لما جرى منه تعالى من الأمر ومن الملائكة من الامتثال والطاعة من غير تثبط وتحقيق لمضموم قوله تعالى: {أُولَئِكَ الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة} [الإسراء: 57] إلخ، أما إن كان المراد من الموصول الملائكة فظاهر، واما إن كان غيرهم فللمقايسة، وفيه إشارة إلى عاقبة أولئك الذين عاندوا الحق واقترحوا الآيات وكذبوا الرسول عليه الصلاة والسلام فإنهم داخلون في الذرية الذين احتنكهم إبليس عليه اللعنة واتبعوه اتباع الظل لذويه دخولًا أوليًا ومساركون له في العناد أتم مشاركة حتى قالوا: {إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء} [الأنفال: 32] فوجه مناسبة الآية لما قبلها ظاهر، وقيل الوجه مشابهة قريش الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم لابليس في أن كلًا منهما حمله الحسد والكبر على ما صدر منه أي واذكر وقت قولنا للملائكة {اسجدوا} تحية وتكريمًا له عليه السلام، وقيل المعنى اجعلواه قبلة سجودكم لله تعالى: {لادَمَ فَسَجَدُواْ} من غير تلعثتم امتثالًا لأمره تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ} لم يكن من الساجدين وكان معدودًا في عدادهم مندرجًا تحت الأمر بالسجود {قَالَ} استئناف بياني كأنه قيل فما كان منه بعد التخلف؟ فأجيب بأنه قال أي بعد أن وبخ بما وبخ مما قصه الله سبحانه في غير هذا الموضع على سبيل الإنكار والتعجب {ءَأَسْجُدُ} وقد خلقتني من نار {أَءسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} نصب على نزع الخافض أي من طين كما صرح به في آية أخرى، وجوز الزجاج كونه حالا من العائد المحذوف والعامل {خُلِقَتْ} فيكون المعنى أأسجد لمن كان في وقت خلقهحالًا من نفس الموصول والعامل حينئذ {أَءسْجُدُ} على معنى أأسجد له وهو طين أي أصله طين، قال في الكشف: وهو أبلغ لأنه مؤيد لمعنى الإنكار وفيه تحقير له عليه السلام وحاشاه بجعله نفس ما كان عليه لم تزل عنه تلك الذلة وليس في جعله حالًا من العائد هذه المبالغة، وأنت تعلم أن الحالية على كل حال خلاف الظاهر لكون الطين جامدًا ولذا أوله بعضهم تأصلًا، وجوز الزجاج أيضًا وتبعه ابن عطية كونه تمييزًا ولا يظهر ذلك، وذكر الخلق مع أنه يكفي في المقصود أن يقال: لمن كان من طين أدخل في المقصود مع أنه فيه على ما فيل إيماء إلى علة أخرى وهي أنه مخلوق والسجود إنما هو للخالق تعالى مجده.

.تفسير الآية رقم (62):

{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)}
{قَالَ} أي إبليس، وفي إعادة الفعل بين كلامي اللعين إيذان بعدم اتصال الثاني بالأول وعدم ابتنائه عليه بل على غيره وقد ذكر ذلك في مواضع أخر أي قال بعد طرده من المحل الأعلى ولعنه واستنظاره وإنظاره {قَالَ أَرَءيْتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ} الكاف حرف خطاب مؤكد لمعنى التاء قبله وهو من التأكيد اللغوي فلا محل له من الأعراب، ورأي علمية فتتعدى إلى مفعولين {وهذا} مفعولها الأول والموصول صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة الصلة عليه، وهذا الإنشاء مجاز عن إنشاء آخر ومن هنا تسمعهم يقولون: المعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته على لم كرمته على وأنا أكرم منه، والعلاقة ما بين العلم والأخبار من السببية والمسببية واللازمية والملزومية، وجملة لم كرمته واقعة على ما نص عليه أبو حيان موقع المفعول الثاني، وذهب بعض النحاة إلى أن رأي بصرية فتتعدى إلى واحد واختاره الرضى، ويجعلون الجملة الاستفهامية المذكورة مستأنفة.
وقال الفراء: الكاف ضمير في محل نصب أي أرأيت نفسك وهو كما تقول: أتدبرت آخر أمرك فإني صانع كذا، و{هذا الذي كَرَّمْتَ على} مبتدأ وخبر وقد حذف منه الاستفهام أي أهذا إلخ، وقال بعضهم بهذا إلا أنه جعل الكاف حرف خطاب مؤكد أي أخبرني أهذا من كرمته علي، وقال ابن عطية: الكاف حرف كما قيل لكن معنى أرأيتك أتأملت كأن المتكلم ينبه المخاطب على استحضار ما يخاطبه به عقيبه، وكونه عنى أخبرني قول سيبويه. والزجاج وتبعهما الحوفي. والزمخشري. وغيرهما، وزعم ابن عطية أن ذلك حيث يكون استفهام ولا استفهام في الآية.
وأنت تعلم أن المقرر في أرأيت عنى أخبرني أن تدخل على جملة ابتدائية يكون الخبر فيها استفهامًا مذكورًا أو مقدرًا فمجرد عدم وجوده لا يأبى ذلك. وأيامًا كان فاسم الإشارة للتحقير، والمراد من التكريم التفضيل.
وجملة {لَئِنْ أَخَّرْتَنِى إلى يَوْمُ القيامة} استئناف وابتداء كلام واللام موطئة للقسم وجوابه {لاحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ}.
وفي البحر لو ذهب ذاهب إلا أن هذا مفعول أول لأرأيتك عنى أخبرني والمفعول الثاني الجملة القسمية المذكورة لانعقادهما مبتدأ وخبرًا قبل دخول أرأيتك لذهب مذهبًا حسنًا إذ لا يكون في الكلام على هذا إضمار وهو كما ترى، والمراد من أخرتني أبقيتني حيًا أو أخرت موتي، ومعنى {لاحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ} لأستولين عليهم استيلاء قويًا من قولهم: حنك الدابة واحتنكها إذا جعل في حنكها الأسفل حبلًا يقودها به.
وأخرج هذا ابن جرير. وغيره عن ابن عباس وإليه ذهب الفراء أو لأستأصلنهم وأهلكنهم بالأغواء من قولهم: احتنك الجراد الأرض إذا أهلك نباتها وجرد ما عليها واحتنك فلان مال فلان إذا أخذه وأكله، وعلى ذلك قوله:
نشكو إليك سنة قد أجحفت

جهدًا إلى جهدبنا فاضعفت

واحتنكت أموالنا وأجلفت

وكأنه مأخوذ من الحنك وهو باطن أعلى الفم من داخل المنقار فهو اشتقاق من اسم عين، واختار هذا الطبري. والجبائي. وجماعة، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال يقول لأضلنهم وهو بيان لخلاصة المعنى، وهذا كقول اللعين {لازَيّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرض وَلاغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39]. {إِلاَّ قَلِيلًا} منهم وهو العباد المخلصون الذين جاء استثناؤهم في آية أخرى جعلنا الله تعالى وإياكم منهم. وعلم اللعين تسنى هذا المطلب له حتى ذكره مؤكدًا إما بواسطة التلقي من الملائكة سماعًا وقد أخبرهم الله تعالى به أو رأوه في اللوح المحفوظ أو بواسطة استنباطه من قولهم {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدماء} [البقرة: 30] مع تقرير الله تعالى له أو بالفراسة لما رأى فيه من قوة الوهم والشهوة والغضب المقتضية لذلك، ولا يبعد أن يكون استثناء القليل بالفراسة أيضًا وكأنه لما رأى أن المانع من الاستيلاء في القليل مشتركاف بينه وبين آدم عليه السلام ذكره من أول الأمر، وعن الحسن انه ظن ذلك لأنه وسوس إلى آدم وغره حتى كان ما كان فقاس الفرع على الأصل وهو مشكل لأن هذا القول كان قبل الوسوسة التي كان بسببها ما كان، ومن زعم أنه كان هناك وسوستان فعليه البيان ولا يأتي به حتى يؤب القارظان أو يسجد لآدم عليه السلام الشيطان.

.تفسير الآية رقم (63):

{قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63)}
{قَالَ} الله سبحانه وتعالى: {اذهب} ليس المراد به حقيقة الأمر بالذهاب ضد المجيء بل المراد تخليته وما سولته نفسه إهانة له كما تقول لمن يخالفك: افعل ما تريد، وقيل: يجوز أن يكون من الذهاب ضد المجيء فمعناه حينئذ كمعنى قوله تعالى: {فاَخْرَجَ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} [الحجر: 34] وقيل. هو طرد وتخلية ويلزم على ظاهره الجمع بين الحقيقة والمجاز والقائل ممن ير جوازه؛ ويدل على أنه ليس المراد منه ضد المجيء تعقيبه بالوعيد في قوله سبحانه: {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} وضل عن الحق {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ} أي جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب رعاية لحق المتبوعية، وجوز الزمخشري وتبعه غير واحد أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات من غيبة المظهر إلى الخطاب، وتعقبه ابن هشام في تذكرته فقال: عندي أنه فاسد لخلو الجواب أو الخبر عن الرابط فإن ضمير الخطاب لا يكون رابطًا، وأجيب بأنه مؤول بتقدير فيقال لهم: إن جهنم جزاؤكم، ورد بأنه يخرج حينئذ عن الالتفات، وقال بعض المحققين: إن ضمير الخطاب إن سلم أنه لا يكون عائدًا لا نسلم أنه إذا أريد به الغائب التفاتًا لا يربط به لأنه ليس ما بعد من الربط بالإسم الظاهر فاحفظ.
{جَزَاء مَّوفُورًا} أي مكملًا لا يدخر منه شيء كما قال ابن جبير من فر كعد لصاحبك عرضه فرة أي كمل لصاحبك عرضه، وعلى ذلك قوله:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ** يفره ومن لا يتق الشتم يشتم

وجاء وفر لازمًا نحو وفر المال يفر وفورًا أي كمل وكثر، وانتصب {جَزَاء} على المصدر باضماء تجزون أو تجازون فإنهما عنى وهذا المصدر لهما.
وجوز أبو حيان وغيره كون العامل فيه {جَزَاؤُكُمْ} بناء على أن المصدر ينصب المفعول المطلق، وجوز كونه حالا موطئة لصفتها التي هي حال في الحقيقة ولذا جاءت جامدة كقوله تعالى: {قُرْءانًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] ولا حاجة لتقدير ذوي فيه حينئذ وصاحب الحال مفعول تجزونه محذوفًا والعامل الفعل، وقيل إنه حال من فاعله بتقدير ذوي جزاء، وقال الطيبي: قيل المعنى ذوي جزاء ليكون حالًا عن ضمير المخاطبين ويكون المصدر عاملًا وإلا فالعامل مفقود ثم قال: الأظهر أنه حال مؤكدة لمضمون الجملة نحو زيد حاتم جوادًا، وفي الكشف أن هذا متعين وليس الأول بالوجه، ومثله جعله حالًا عن الفاعل، وقيل هو تمييز ولا يقبل عند ذويه.

.تفسير الآية رقم (64):

{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)}
{واستفزز} أي واستخف يقال استفزه إذا استخفه فخدعه وأوقعه فيما أراده منه، وأصل معنى الفز القطع ومنه تفزز الثوب إذا انقطع ويقال للخفيف فز ولذا سمي به ولد البقرة الوحشية كما في قول زهير:
كما استغاث بشيء فز غيطلة ** خاف العيون فلم تنظر به الحشك

والواو على ما في البحر للعطف على {اذهب} [الإسراء: 63]. والمراد من الأمر التهديد وكذا من الأوامر الآتية، ويمنع من إرادة الحقيقة أن الله تعالى لا يأمر بالفحساء {مَنِ استطعت} أي الذي استطعت أن تستفزه {مِنْهُمْ} فمن موصول مفعول {استفزز} ومفعول {فَإِن استطعت} محذوف هو ما أشرنا إليه. واختار أبو البقاء كون من استفهامية في موضع نصب باستطعت وهو خلاف الظاهر جدًا ولا داعي إلى ارتكابه {بِصَوْتِكَ} أي بدعائك إلى معصية الله تعالى ووسوستك، وعبر عن الدعاء بالصوت تحقيرًا له حتى كأنه لا معنى له كصوت الحمار.
وأخرج ابن المنذر. وابن جرير وغيرهما عن مجاهد تفسيره بالغناء والمزامير واللهو والباطل، وذكر الغزنوي أنه آدم عليه السلام أسكن ولد هابيل أعلى جبل وولد قابيل أسفله وفيهم بنات حسان فزمر الشيطان فلم يتمالكوا أن انحدروا واقترنوا {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم} أي صح عليهم من جلبة وهي الصياح قاله الفراء وأبو عبيدة، وذكر أن جلب وأجلب عنى. وقال الزجاج: أجلب على العدو جمع عليه الخيل.
وقال ابن السكيت: جلب عليه أعان عليه، وقال ابن الأعرابي: أجلب على الرجل إذا توعده الشر وجمع عليه الجمع، وفسر بعضهم {أجلب} هنا باجمع فالباء في قوله تعالى: {عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} مزيدة كما في لا يقرأن بالسور. وقرأ الحسن {وَأَجْلِبْ} بوصل الألف وضم اللام من جلب ثلاثيا، والخيل يطلق على الأفراس حقيقة ولا واحد له من لفظه، وقيل إن واحده خائل لاختياله في مشيه وعلى الفرسان مجازًا وهو المراد هنا، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته لأصحابه رضي الله عنهم «يا خيل الله اركبي» والرجل بكسر الجيم فعل عنى فاعل فهو صفة كحذر عنى حاذر يقال: فلان يمشي رجلًا أي غير راكب.
وقال صاحب اللوامح: هو عنى الرجل يعني أنه مفرد أريد به الجمع لأنه المناسب للمقام وما عطف عليه، وبهذا قرأ حفص. وأبو عمر في رواية. والحسن، وظاهر الآية يقتضي أن للعين خيلا ورجلًا وبه قال جمع فقيل هم من الجن، وقيل منهم ومن الأنس وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومجاهد. وقتادة قالوا: إن له خيلًا ورجلًا من الجن والإنس فما كان من راكب يقاتل في معصية الله تعالى فهو من خيل إبليس وما كان من راجل يقاتل في معصية الله تعالى فهو من رجل إبليس، وقال آخرون: ليس للشيطان خيل ولا رجالة وإنما هما كناية عن الأعوان والأتباع من غير ملاحظة لكون بعضهم راكبًا وبعضهم ماشيًا.
وجوز بعضهم أن يكون استفزازه بصوته واجلابه بخيله ورجله تمثيلًا لتسلطه على من يغويه فكأنه مغوارًا وقع على قوم فصوت بهم صوتًا يزعجهم من أماكنهم وأجلب عليهم بجنده من خيالة ورجالة حتى استأصلهم، ومراده أن يكون في الكلام استعارة تمثيلية ولا يضر فيها اعتبار مجاز أو كناية في المفردات فلا تغفل.
وقرأ الجمهور {رجلك} بفتح الراء وسكون الجيم وهو اسم جمع راجل كركب وراكب لا جمع لغلبة هذا الوزن في المفردات، وقرئ {إِلاَّ رَجُلٌ} بفتح الراء وضم الجيم وهو مفرد كما في قراءة حفص وقد جاءت ألفاظ من الصفة المشبهة على فعل وفعل كسرا وضما كحدث وندس وغيرهما.
وقرأ عكرمة. وقتادة {رجالك} كنبالك، وقرئ {رجالك} ككفارك وكلاهما جمع رجلان وراجل كما في الكشف، وفي بعض نسخ الكشاف أنه قرئ {رجالك} بفتح الراء وتشديد الجيم على أن أصله رجالة فحذف تاؤه تخفيفًا وهي نسخة ضعيفة {وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الاموال} بحملهم على كسبها مما لا ينبغي وصرفها فيما لا ينبغي.
وقيل بحملهم على صرفها في الزنا، وعن الضحاك بحملهم على الذبح للآلهة، وعن قتادة بحملهم على تسييب السوائب وبحر البحائر والتعميم أولى {والاولاد} بالحث على التوصل إليهم بالأسباب المحرمة وارتكاب ما لا يرضي الله تعالى فيهم.
وأخرج ابن جرير. وابن وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المشاركة في الأولاد حملهم على تسميتهم بعبد الحرث. وعبد شمس، وفي رواية حملهم على أن يرغبوهم في الأديان الباطلة ويصبغوهم بغير صبغة الإسلام.
وفي أخرى حملهم على تحصيلهم بالزنا، وأخرى تزيين قتلهم إياهم خشية الإملاق أو العار، وقيل حملهم على أن يرغبوهم في القتال وحفظ الشعر المشتمل على الفحش والحرف الخسيسة الخبيثة، وعن مجاهد أن الرجل إذا لم يسم عند الجماع فالجان ينطوي على احليله فيجامع معه وذلك هي المشاركة في الأولاد، والأولى ما ذكرنا.
{وَعَدَّهُمْ} المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة ونفع الأنساب الشريفة من لم يطع الله تعالى أصلًا وعدم خلود أحد في النار لمنافاة في ذلك عظم الرحمة وطول أمل البقاء في الدنيا ومن الوعد الكاذب وعده إياهم أنهم إذا ماتوا لا يبعثون وغير ذلك مما لا يحصى كثرة، ثم هذا من قبيل المشاركة في النفس كما في البحر.
{وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُورًا} اعترض بين ما خوطب به الشيطان لبيان حال مواعيده والالتفات إلى الغيبة لتقوية معنى الاعتراض مع ما فيه من صرف الكلام عن خطابه وبيان حاله للناس ومن الأشعار بعلية شيطنته للغرور وهو تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب؛ ويقال: غر فلانًا إذا أصاب غرته أي غفلته ونال منه ما يريد، وأصل ذلك على ما قال الراغب من الغر وهو الأثر الظاهر من الشيء، ونصبه على أنه وصف مصدر محذوف أي وعدا غرورًا على الأوجه التي في رجل عدل.
وجوز أن يكون مفعولًا من أجله أي وما يعدهم ويمينهم ما لا يتم ولا يقع إلا لأن يغرهم والأول أظهر.
وذكر الإمام في سبب كون وعد الشيطان غرورًا لا غير أنه إنما يدعو إلى أحد ثلاثة أمور. قضاء الشهوة. وإمضاء الغضب. وطلب الرياسة والرفعة ولا يدعو البتة إلى معرفة الله تعالى وخدمته وتلك الأشياء الثلاثة ليست لذائذ في الحقيقة بل دفع آلام وإن سلم أنها لذائذ لكنها خسيسة يشترك فيه الناقص والكامل بل الإنسان والكلب ومع ذلك هي وشيكة الزوال ولا تحصل إلا تاعب كثيرة ومشاق عظيمة ويتبعها الموت والهرم واشتغال الباب بالخوف من زوالها والحرص على بقائها، ولذات البطن والفرج منها لا تتم إلا زاولة رطوبات متعفنة مستقذرة فتزيين ذلك لا يكاد يكون إلا بما هو أكذب من دعوى اجتماع النقيضين وهو الغرور.